01‏/05‏/2010

الشمس تاتي من النافذة



الشمس تأتي من النافذة، وصباحي هذا اليوم بدأ بإشراق شمس الصيف وانسكاب أشعتها في غرفتي حين لم أسدل الستار. ولعل أمي تنتظرني لتلقي عليّ كلمات اللوم والعتب حين لم أسدله وتركت زجاج النافذة يعلن عن وجودي خلفه، فيتلصص الجيران. ما زلت مستلقية على السرير أحاول استذكار ما رأيته في المنام وكعهدي بالأمر لا أتذكر غير مشاهد متقطعة من حدث طويل غير مترابط. أرى شيخ القرية الميت يخرج من المقبرة مذعوراً .. وصوت يصيح:
أيها الموتى .. تذكروني حين تمسون وتصبحون
أنا هنا ..
منكر ونكير
ويتعالى صوت قهقهات .. ضحكة ماجنة بصوتٍ أنثوي
وشيخ القرية .. عارٍ أبداً سوى من رداءٍ أبيض يستر عورته .. ويجري .. والضحكة ماجنة تجري خلفه
وهو يصيح .. "لا إغراء بعد اليوم"

كثيراً ما يشغلني حال الناس بعد الممات، شيخ قريتنا الذي مات تاركاً أربع نساء إحداهن لا تنجب وأخرى تزوجها إثر طلاقها من زوجها الأول وثالثة توقف في محطة قطارها الذي فاتها الوصول إليه ورابعة كانت الزوجة الأولى المقهورة إثر زيجاته بعدها. ذلك الشيخ الذي طالما كان مادة لتعليقات صديقاتي وأنا .. إحدى صديقاتي ترفض هذا النوع من الرجال .. يتزوج من أربع من أجل إطفاء شهوته .. ما ذنبهن ليتقاسمن رجلاً واحد .. لا توجد امرأة لا تشعر بالغيرة .. الغيرة هي أصعب شعور يمكن لامرأة أن تتحمله .. إنه يتلف الأعصاب ويجعل المرء يشيخ. ولكن هذا الشيخ استغل ظروف نسائه الأربع ليقبلن الزواج به. وكما يقول المثل ظل رجل ولا ظل الحيط. ضحكنا سوية حين قالت إحدانا: هو رجل لفر ط بدانته يبدو كالحائط يا صديقتي!
اشششش رحمه الله قد رأيته في الحلم سعيداً بدون غرائز. إنه جسد ميت فقط الآن.
الغرائز جسدية أم روحية؟

يصلني صوت أمّي وصوت طرقاتها على الباب حاداً، تحثني على القيام وتنهرني لأني أقفله بالمفتاح، أبدل وضعية نومي وأستلقي على جانبي الآخر وأفكر، مظلومة هي أنا، إن كنت في غرفتي والباب مقفلٌ عليّ أحتاج للمزيد من ثقتهم فكيف بي حين أخرج؟ نهضت حاملةً هذه الجملة على طرف لساني ثم ألقيتها على مسامع أمي وهي تعدّ الخبز والبيض. فتمتمت: أنتِ لا تسدلين الستار على نافذتك.. أنا أعرفك! وكسرت المزيد من البيض في المقلاة.
انصرفتُ فتمتمتْ: وأبوك سيعرف
كان لزاماً عليّ في هذا اليوم أن أخرج منذ الصباح الباكر، أي ما قبل الساعة الثامنة لأصل إلى المصرف في حدودها وأنهي عملية الاقتراض قبل حلول التاسعة حيث تبدأ مع بدايتها الحصة الأولى ليوم الأربعاء والتي ألقي من خلالها درسي على طالباتي.

فور انتهائي من ترتيب هندامي، سكبت ما تبقى من العطر على عباءتي .. نظرت إلى المرآة ووضعت الحجاب على رأسي، وهممت بالخروج، أخفيت وجهي عن أمي التي كانت تدعوني لتناول الفطور حتى لا تلمح الكحل الذي وضعته في عينيّ. أنا لا أضعه كل يوم وإنما أضعه في بعض المناسبات لأواكب ما تفعله الكثيرات. حسناً قريناتي لم يكن يملكن من الحرية ما يفوقني كثيراً فالفارق بسيط. أخبرتني إحداهن يوماً أنها تودُّ لو تخلع الحجاب لتتمكن من تحرير خصلات شعرها بعد أن صبغته بلونٍ أشقر. تتساءل لمن أصبغه إن لم يره الناس؟ فضحكنا حينها وتحدثت مع نفسي:
لا تقصد الناس عموماً، بل تقصد الرجال ! صديقتي وأعرفها

فلمن أضع الكحل؟ أشعر بالخجل من نفسي. أو الذل. هل أبحث عن رجلٍ ما؟ أضع الكحل لينتبه إلى جمال عينيّ أو أضعه لأشعر بالزهو نحو نفسي ونظرات الرجال تتعلّق بي؟
عاودت النظر إلى نفسي من خلال المرآة الأمامية للسيارة، لم أضع سوى الكحل ووجه أبي ماثلٌ أمامي في صفحة المرآة يشعرني بالإثم!

تركته قابعاً في المرآة ونظرت عبر النافذة للشارع يحكي لي ألف قصة في عين كل امرأة تعبره .. وأشعة الشمس ما زالت تأتي من النافذة!
الراديو يصدح ..
أعطني حريتي أطلق يـديّ .. إننـي أعطيت ما أبقيت شيّــا
آه من قيدك أدمى معصمي .. لـِـم أبقيــه وما أبـــقى علــيّ
هذا المقطع من الأغنية يشعرني بقوة غريبة، كأنه ابتـُكر من أجلي.
أفكاري والأغنية ونفسي التي تحدثني صنعوا جميعاً أفقاً بعيداً أمامي لا أعرف أين سينتهي .. ابتعدت كثيراً عن وجهتي الصحيحة .. اضطررت إلى عبور ذات الطريق ثلاث مرات حتى اهتديت إلى الوجهة الصحيحة.
ركنت السيارة في الموقف وانطلقت مسرعة للمصرف وظللت ألعن نفسي حين لمحت عقارب الساعة وفيها الوقت يوشك أن يقطعني.
المصرف كان يضج بالناس، الموظفات فيه جميلات كلهن سافرات، يلبسن من الثوب القصير والمثير، أنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من التلصص والنظر لأجسادهن فكيف بالرجال! لا إنها ليست الأولى التي أدخل فيها إلى أحد المصارف، وليست الأولى التي ألمح فيها سيدات متبرجات ولكنها الأولى التي أضع نفسي في ملابسهن. هل أبحث عن ذلك؟ لا أدري. اخترت مهنة التدريس لأبتعد عن الرجال. هكذا قال والدي. ولكن الحياة تأخذني يا أبي إلى أكثر من جهة. وأنا أشعر بالضعف حين أرى شجاعتهن! لم أشعر يوماً أن الحجاب المادي يُضعفني. ولكنه ذلك الحجاب الآخر الذي أجبرني منذ كنت طفلة على البقاء محتجبة عن كل شيء ملأى بالضعف. لماذا نرتدي حجابين؟
إن كان الحجاب على رأسي ذاته من يمنع الرجال من رؤية شعري ووجهي. فلماذا ألبس آخر يغطي روحي؟


أريد أن أصبح قوية يا أبي، كأخرى رفعت يدها لعنان السماء ولم يبترها أحد
لا أريد أن أختبئ خلف الستار حين تأتي الشمس من النافذةوصباحي هذا اليوم بدأ بإشراق شمس الصيف وانسكاب أشعتها في غرفتي حين لم أسدل الستار. ولعل أمي تنتظرني لتلقي عليّ كلمات اللوم والعتب حين لم أسدله وتركت زجاج النافذة يعلن عن وجودي خلفه، فيتلصص الجيران. ما زلت مستلقية على السرير أحاول استذكار ما رأيته في المنام وكعهدي بالأمر لا أتذكر غير مشاهد متقطعة من حدث طويل غير مترابط. أرى شيخ القرية الميت يخرج من المقبرة مذعوراً .. وصوت يصيح:
أيها الموتى .. تذكروني حين تمسون وتصبحون
أنا هنا ..
منكر ونكير
ويتعالى صوت قهقهات .. ضحكة ماجنة بصوتٍ أنثوي
وشيخ القرية .. عارٍ أبداً سوى من رداءٍ أبيض يستر عورته .. ويجري .. والضحكة ماجنة تجري خلفه
وهو يصيح .. "لا إغراء بعد اليوم"

كثيراً ما يشغلني حال الناس بعد الممات، شيخ قريتنا الذي مات تاركاً أربع نساء إحداهن لا تنجب وأخرى تزوجها إثر طلاقها من زوجها الأول وثالثة توقف في محطة قطارها الذي فاتها الوصول إليه ورابعة كانت الزوجة الأولى المقهورة إثر زيجاته بعدها. ذلك الشيخ الذي طالما كان مادة لتعليقات صديقاتي وأنا .. إحدى صديقاتي ترفض هذا النوع من الرجال .. يتزوج من أربع من أجل إطفاء شهوته .. ما ذنبهن ليتقاسمن رجلاً واحد .. لا توجد امرأة لا تشعر بالغيرة .. الغيرة هي أصعب شعور يمكن لامرأة أن تتحمله .. إنه يتلف الأعصاب ويجعل المرء يشيخ. ولكن هذا الشيخ استغل ظروف نسائه الأربع ليقبلن الزواج به. وكما يقول المثل ظل رجل ولا ظل الحيط. ضحكنا سوية حين قالت إحدانا: هو رجل لفر ط بدانته يبدو كالحائط يا صديقتي!
اشششش رحمه الله قد رأيته في الحلم سعيداً بدون غرائز. إنه جسد ميت فقط الآن.
الغرائز جسدية أم روحية؟

يصلني صوت أمّي وصوت طرقاتها على الباب حاداً، تحثني على القيام وتنهرني لأني أقفله بالمفتاح، أبدل وضعية نومي وأستلقي على جانبي الآخر وأفكر، مظلومة هي أنا، إن كنت في غرفتي والباب مقفلٌ عليّ أحتاج للمزيد من ثقتهم فكيف بي حين أخرج؟ نهضت حاملةً هذه الجملة على طرف لساني ثم ألقيتها على مسامع أمي وهي تعدّ الخبز والبيض. فتمتمت: أنتِ لا تسدلين الستار على نافذتك.. أنا أعرفك! وكسرت المزيد من البيض في المقلاة.
انصرفتُ فتمتمتْ: وأبوك سيعرف
كان لزاماً عليّ في هذا اليوم أن أخرج منذ الصباح الباكر، أي ما قبل الساعة الثامنة لأصل إلى المصرف في حدودها وأنهي عملية الاقتراض قبل حلول التاسعة حيث تبدأ مع بدايتها الحصة الأولى ليوم الأربعاء والتي ألقي من خلالها درسي على طالباتي.

فور انتهائي من ترتيب هندامي، سكبت ما تبقى من العطر على عباءتي .. نظرت إلى المرآة ووضعت الحجاب على رأسي، وهممت بالخروج، أخفيت وجهي عن أمي التي كانت تدعوني لتناول الفطور حتى لا تلمح الكحل الذي وضعته في عينيّ. أنا لا أضعه كل يوم وإنما أضعه في بعض المناسبات لأواكب ما تفعله الكثيرات. حسناً قريناتي لم يكن يملكن من الحرية ما يفوقني كثيراً فالفارق بسيط. أخبرتني إحداهن يوماً أنها تودُّ لو تخلع الحجاب لتتمكن من تحرير خصلات شعرها بعد أن صبغته بلونٍ أشقر. تتساءل لمن أصبغه إن لم يره الناس؟ فضحكنا حينها وتحدثت مع نفسي:
لا تقصد الناس عموماً، بل تقصد الرجال ! صديقتي وأعرفها

فلمن أضع الكحل؟ أشعر بالخجل من نفسي. أو الذل. هل أبحث عن رجلٍ ما؟ أضع الكحل لينتبه إلى جمال عينيّ أو أضعه لأشعر بالزهو نحو نفسي ونظرات الرجال تتعلّق بي؟
عاودت النظر إلى نفسي من خلال المرآة الأمامية للسيارة، لم أضع سوى الكحل ووجه أبي ماثلٌ أمامي في صفحة المرآة يشعرني بالإثم!

تركته قابعاً في المرآة ونظرت عبر النافذة للشارع يحكي لي ألف قصة في عين كل امرأة تعبره .. وأشعة الشمس ما زالت تأتي من النافذة!
الراديو يصدح ..
أعطني حريتي أطلق يـديّ .. إننـي أعطيت ما أبقيت شيّــا
آه من قيدك أدمى معصمي .. لـِـم أبقيــه وما أبـــقى علــيّ
هذا المقطع من الأغنية يشعرني بقوة غريبة، كأنه ابتـُكر من أجلي.
أفكاري والأغنية ونفسي التي تحدثني صنعوا جميعاً أفقاً بعيداً أمامي لا أعرف أين سينتهي .. ابتعدت كثيراً عن وجهتي الصحيحة .. اضطررت إلى عبور ذات الطريق ثلاث مرات حتى اهتديت إلى الوجهة الصحيحة.
ركنت السيارة في الموقف وانطلقت مسرعة للمصرف وظللت ألعن نفسي حين لمحت عقارب الساعة وفيها الوقت يوشك أن يقطعني.
المصرف كان يضج بالناس، الموظفات فيه جميلات كلهن سافرات، يلبسن من الثوب القصير والمثير، أنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من التلصص والنظر لأجسادهن فكيف بالرجال! لا إنها ليست الأولى التي أدخل فيها إلى أحد المصارف، وليست الأولى التي ألمح فيها سيدات متبرجات ولكنها الأولى التي أضع نفسي في ملابسهن. هل أبحث عن ذلك؟ لا أدري. اخترت مهنة التدريس لأبتعد عن الرجال. هكذا قال والدي. ولكن الحياة تأخذني يا أبي إلى أكثر من جهة. وأنا أشعر بالضعف حين أرى شجاعتهن! لم أشعر يوماً أن الحجاب المادي يُضعفني. ولكنه ذلك الحجاب الآخر الذي أجبرني منذ كنت طفلة على البقاء محتجبة عن كل شيء ملأى بالضعف. لماذا نرتدي حجابين؟
إن كان الحجاب على رأسي ذاته من يمنع الرجال من رؤية شعري ووجهي. فلماذا ألبس آخر يغطي روحي؟


أريد أن أصبح قوية يا أبي، كأخرى رفعت يدها لعنان السماء ولم يبترها أحد
لا أريد أن أختبئ خلف الستار حين تأتي الشمس من النافذة
منقول

0 التعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك هنا