24‏/10‏/2009

من دفاتر امرأة....حميدة نعنع


لماذا أتحدث عن الحب؟


ولماذا ألجا إلى الذاكرة ، والأفعال التي فقدت زمنها الحاضر؟الآن كل ما يمت للعذوبة والفرح أصبح مجالا للتخيل ،وصار من العبث أن تطالبني بمستقبل له ،بعد أن طعنت حاضره...في الزمن الماضي تقابلنا...وفي اللحظة التي التقت فيها عينانا كمراهقين جاءني صوت لا اعرفه ينذرني " أن شرعي منذ اليوم جسدك للعذاب وروحك للقلق".منذ ذلك اليوم سكنت صحراء التخيل ودخلت المجهول من أوسع أبوابه ليتحول عالمي إلى رجل لغز يطمح أن يكون في مصاف التاريخ.




بعد ألف عام من الرحيل عدت لأتحمل ارثي...تاريخي...جذوري، وبالأمس، حينما كانت تمر أول ذكرى لأول لقاء بيننا ، بحثت حولي في المدينة عن شموع لأضيء شمعة واحدة فلم أجد.


هل جاء الفراق على كل شيء؟ هل جاء الفراق حتى على الزمن الماضي فاحرق التخيل ، وجفف النهر، وترك قلبينا صامتين تتمثل قوتهما وفجيعتهما في طريقة الصمت...


قبل أيام – وذلك ينتسب للماضي –تذكرت يوم جعل الحب منا بشرا أكثر شجاعة فقررنا العصيان كل على طريقته...كان لدينا آنذاك كل عظمة العشاق ، وكل ميزة عدم الطاعة ، وكل روعة الوفاء.


يا لهي...كيف تخط النهايات نهاياتها
.
بالأمس ، وهذا ينتمي إلى الماضي...


تأملتك تخطو مسرعا نحو المستقبل الذي لا معالم له...ظننتك صنوبرة عملاقة امتد ظلها حتى غطى الغابة كلها فسوها أميرة الشجر ...كنت اسميك في الماضي سيد العشاق ، واطلب إليك عندما تراني أن تباركني كما يفعل القديس،وأمامك أنت وحدك اعترف بأخطائي وذنوبي ،لكن اعترافي لم يعلمك شيئا فما إن كنت ابدأ الكلام حتى تتحول إلى رجل آخر...رجل ينظر أمامه إلى التاريخ بينما كل من حوله يذهب نحو النهايات الفاجعة.


سألتني عندما عدت إليك بعد غياب...هل...هل؟


بل أنا التي قالت : من زمن لم تهزني عينا رجل أو كلمات رجل حتى أيقنت أن الحب أصبح مستحيلا،هكذا يسمونني فانا الراحلة في الزمان والمكان..لم اترك سفينة مهجورة في مرفأ لم احملها أشلائي ، ولا مدينة تتكلم لغة اجهلها لم ادخلها في الفجر.


ولكن هذا المستحيل يعود في الفجر أيضا إلى مدينتك وأمام عينيك يبدأ تأمل حياته الماضية...الحياة الماضية...الحياة الدامية، والباطلة...نيويورك ونهر الهيدسون في الظهيرة...باريس ونهاية المساء أمام قبر نابوليون...روما المحتضرة بكبرياء وقبة الفاتيكان النائية في التاريخ...موسكو وأبراج الكريملن...وجثمان لينين المعرض للإعدام كل دقيقة ...لشبونة وغناء الفادو الحزين...المراكب الراحلة...شاندغار واحتضار الهند الآسر..نورنبرغ والسلم الحجري المؤدي إلى عش النسر...قرطاجن وسكون العصر...سكون المدن الماضية التي دفنت تاريخها...غرف محاكم التفتيش ذات الطابع الأسطوري المبهم...كل ذلك الماضي يتحول إلى أكوام من الحصى والى هدهدة لصوت الحرب والموت...


كيف يمكن أن أنسى كل ذلك التاريخ ...وكيف يمكن لحياتي أن تكون إجابة على هذه الأسئلة؟كيف يمكن أن اركن لمدينة واحدة اليوم ؟


يوم ناديتني من الرحيل لأعايش جرحك أنت استجبت لك ، وحاولت أن أحميك بالكلمات...ثم بسطت لأجلك ذراعين مشرعتين للحب.كنت أخاف أن تخطفك الحرب..أخاف أن يفارقني وجهك فأتكلم عنك بصيغة الغائب ، أنت يا شبيهي أيا كنت . لتعلم في أي اتجاه وليت وجهك سيكون حبي احد أسرارك والاعتراف به هو التورط أكثر.


اليوم...واليوم ينتسب للماضي...


اكتب إليك...وعنك لا لأثير ذكرياتك أو حزنك،أو فرحك...اكتب لكي انتسب للبشر البسطاء الذين يشهدون على زمنهم ...اكتب لأتحدث عن حب مستحيل ...الحب بين رجل ينتمي للخوف وامرأة حرة من قيودها لا تعترف بالوقائع الصغيرة ،ولا ترى ما تخبؤه الكلمات التي لا تعني معناه.آه ياصديقي :كان مكسيم غوركي يتبع الناس سرا ليحولهم إلى إبطال في رواياته ، وكذلك فعل بلزاك ، فلا تلمني إذا كنت اتبعك منذ اليوم لأحولك إلى أسطورة . ولكن قبل إن افعل ذلك أقول لك : لا تتورط في حب امرأة مثلي من جديد فانا خارجة عن القانون لن أريح أو أستريح. لقد قررت العصيان وتورطت في الحياة حتى الثمالة.




 {من دفاتر امراة}
"حميدة نعنع "







0 التعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك هنا